آخر الأخبار

الشيخ سيدي محمد فوزي الكركري

أصول الطريقة

مقالات

دروس كتابية

صور من حياة الصحابة

فقهيات بين الشريعة و الحقيقة

قصص و عبر

أخبار الكركرية

رياضة عالمية

كليبات

الأربعاء، 30 أبريل 2014

باب التوبة

0 التعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم
بــــــــاب التـــــــوبة

بدأت الكتابة متكلا على الله الأحد لأوضح للتائب كيف يسير من الحسن إلى الأحسن فيقطع جميع ما نهى إليه عنه، ويتبع جميع ما أمره الله بإتباعه، ثم أردت أن أزوده بمعلومات يحصن بها نفسه من الانزلاق في الترهات و المهالك، فيخسر حياته الدنيوية و الأخروية، فيقترب من كل ما هو صالح، ويبتعد عن كل ما هو فاسد، وهكذا دواليك، فمن لم يسمع كلاما يهديه إلى الحق فهو في الضلالة ما دام يفر من الحكم الإلاهي. قال أبو القاسم الجنيد رحمه الله: ولكل ذنب عقوبة إلا أن يعفو الله، والعقوبة ليست على قدر الذنب، ولا من حيث يعلم العبد، لكنها على تقدير المشيئة وعن سابق علم الربوبية، فربما كانت في قلب وهي من أمراض القلوب، وربما كانت في الجسد وقد تكون في الأموال والأهل، وتكون في سقوط الجاه والمنزلة من عيون علماء الإسلام و المومنين، وقد تكون مؤجلة في الآخرة وهذه أعظم العقوبات، وهي لأهل الكبائر من الموبقات الذين ماتوا من غير توبة، ولأهل الإصرار والعزة والاستكبار، لأنها إذا كانت في الدنيا كانت يسيرة على قدر الدنيا؛ فإذا تأخرت كانت عظيمة على قدر الآخرة. وإذا أراد الله بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه، وإذا أراد به شرا أخره حتى يوافي به الآخرة. واعلم أن الغم على ما يفوت من الدنيا والهم بالحرص عليها من العقوبات والفرح والسرور، وربما نال من الدنيا مع ما لا يبالي ما خرج من دينه من العقوبات، وقد تكون دوام العوافي وإتباع الغنى من عقوبات الذنوب إذا كانا سببين إلى المعاصي، وقد تكون عقوبة الذنب ذنبا مثله أو أعظم منه، كما يكون مثوبة الطاعة طاعة مثلها، أو أفضل منها. وفي أحد الوجوه من معنى قوله تعالى :" وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون" قال الغنى و العافية كما يقول الفقر والسقم برحمة من الله تعالى إذا كانا سببا لرحمة من الله و إذا كانا سببا للمعصية فهما أمهات المعاصي. واعلم أن الحلم لا يرفع العقوبة ولكن يؤخرها ومن شأن الحليم أن لا يعجل بالعقوبة، وقد يعاقب بعد حين، وفي معنى ذلك قوله تعالى" فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء" أي الرخص والرغد حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة قيل: بعد ستين سنة، وفي الخبر: من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة. وفي لفظ آخر لا يكفرها إلا الهموم والأحزان و الاهتمام بالمباحات من حاجات الدنيا، للفقراء كفارات وهو على ما يفوت من قربات الآخرة للمومنين درجات، وهو على كل حب الدنيا والجمع منها والحرص عقوبات
وقال بعض السلف كفى به ذنبا، لا يستغفر منه، حب الدنيا. وقال آخر لو لم يكن للعبد من الذنوب إلا أن يقيم بمصائب الدنيا بما لا يقيم بما لا يفوته فيها من نصيب الآخرة والتزود لها. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له من الأعمال ما يكفرها أدخل الله عليه الهموم والغموم فتكون كفارة لذنوبه. ويقال إن الهم الذي يعرض للقلب في وقت لا يعرف العبد بسبب ذلك فهو كفارات الهم بالخطايا، ويقال: هو حزن العقل عند ذكره الوقوف والمحاسبة لأجل جنايات الجسد فيلزم العقل ذلك الهم فيظهرعلى العبد منه كأنه لا يعرف سبب غمه. ومن أخبار يعقوب عليه السلام: إن الله تعالى أوحى إليه لولا ما سبق لك في علمي من عنايتي بك لجعلت نفسي عندك أبخل الباخلين لكثرة تردادك إلي سؤالك لي وتأخيري إجابتك ولكن من عنايتي بك أن جعلت نفسي في قلبك، إني أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، وقد سبق لك عندي منزلة لم تكن تنالها بشيء من عملك، لا يحزنك على يوسف فأردت أن أبلغك تلك المنزلة وكذلك ما روى عن جبريل عليه السلام لما دخل على يوسف عليه السلام في السجن قال له: كيف تركت الشيخ الكئيب؟ قال: قد حزن عليك حزن مائة
ثكلى؛ قال: فماذا له عند الله تعالى؟ قال: أجر شهيد. وفي الخبر عن السلف ما من عبد يعصي إلا استأذن مكانه من الأرض أن يخسف به، و استأذن سقفه في السماء أن يسقط عليه كسفا، فيقول الله عز وجل للأرض والسماء كفا عن عبدي و أمهلاه فإنكما لم تخلقاه، ولو خلقتماه لرحمتماه لعله يتوب إلي فأغفر له لعله يستبدل صالحا فأبدله حسنات، فذلك معنى قوله تعالى :"إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ".أي من معاصي العباد ولئن زالتا إن يمسكهما من أحد من بعده، إنه كان حليما أي عن معاصيهم غفورا لمساويهم. وقيل في تفسير ذلك إن الله عز وجل إذا نظر إلى معاصي العباد غضب فترجف الأرض وتضطرب السماء فتنزل ملائكة السماء فتمسك أطراف الأرضين، و تصعد ملائكة الأرضين فتمسك أطراف السماوات، ولا يزالون يقرءون (قل هو الله أحد حتى يسكن غضبه سبحانه وتعالى فذلك، قوله تعالى : إن الله يمسك السموات . الآية
قال بعض العلماء : إذا ضرب الناقوس في الأرض و دعا بدعوة الجاهلية اشتد غضب الرب سبحانه و تعالى، فإذا نظر إلى صبيان المكاتب، و رأى عمـار المساجد. وقيل : إذا نظر المتحابيـن في الله أو المتزاورين له وسمع أصوات المؤذنين حلم و غفر، فذلك قوله تعالى " إنه كان حليما غفورا" فإذا اتبع الذنب بالذنب ولم يجعل بين الذنبين توبة خيف عليه الهلكة لأن هذا حال المصر و لأنه قد شرد عن مولاه بترك رجوعه إليه، و دوام مقامه مع النفس على هواه، وهذا مقـــام المقت في البعد. و أفضل ما يعمله العبد قطع شهوات النفس أحلى ما يكون عنده الهوى، أوليس لشهواتها آخر، ينتظر كما ليس لبدايتها أول فـإن لم يقطع ذلك لم يكن له نهـــاية فإن شغل بما يستأنف من مزيد الطاعة ووجد حلاوة العبــــــادة و إلا أخذ نفسه بالصبر و المجاهدة فهذا طريق الصادقين من المؤمنين و قيل في قوله تعالى:" استعينوا بالله و اصبروا" أي استعينوا به على الطاعة و اصبروا على المجاهدة في المعصية و قال علي كرم الله وجهه: أعمال البر كلها إلى جنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتفلة إلى جانب البحر، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى جنب الجهاد في سبيل الله كتفلة في جنب بحر، والجهاد في سبيل الله إلى جنب مجاهدة النفس عن هواها في اجتناب النهي كتفلة في جنب بحر لجي، وعلى هذا معنى الخبر الوارد رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر مجاهدة النفس. وكان سهل بن عبد الله يقول:" الصبر تصديق الصــــــدق و أفضل منازل الطاعة الصبر على معصية ثم الصبر على الطاعة و روى في الخبـــــــران "رجلا تزوج امرأة في بلدة وأرسل عبده يحملها إليه فراودته نفسه و طالبته بها فجـــــاهدها و استعصم بالله قال فنبأه الله تعالى، فكان نبيا في بني إسرائيل، وفي بعض قصص موسى عليه السلام، أنه قال للخضر عليه السلام بأي شيء أطلعك الله تعالى على علم الغيب فقال: بترك المعاصي لأجل الله تعالى فالجزاء من الله تعالى يجعله غاية العطاء لا على قدر العمل، لكن إذا عمل له عبد شيئا لأجله أعطاه الله أجره بغير حساب، ثم أنه لا يتخذ التائب عادة من ذنب فيعتذر بها توبته فإن العادة حينئذ من جنود الله تعالى لولاها لكان الناس كلهـم تائبيـــن، و لولا الابتلاء لكان التائبون مستقدمين، ثم أن يعمل في قطع معتاد، إن كان يصبر على مجاهدة النفس في هوى إن بلي به، فهذه الخصال من أفضل أعمال المتقين وأزكاها ومعها تلهم النفس المطمئنة رشدها و تقواها و بها تخرج من وصف الأمارة بالسوء إلى وصف المطمئنة إلى أخلاق الإيمان و هذا أحد المعاني في الخبر الذي روي : أفضل الأعمال ما أكرهتم عليه النفوس، لأن النفس تكره خلاف الهوى، والهوى هو ضد الحق، و الله تعالى يحب الحق. فصار جبار النفس على خلاف الهوى و على وفاق الحق؛ لأن محبة الحق من أفضل الأعمال. كما قال تعالى:" والوزن يومئذ الحق" الآية. و استثنى من أهل الخسر الذين تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر و هذا أول اليقين، و حدثت عن بعض أهل الاعتبار، أنه
كان يمشي في الوحل فكان يتقي و يشمر ثيابه عن ساقيه و يمشي في جوانب الطريق إلى أن زلقت رجليه في وسط الوحل فأدخل رجليه في وسط الوحل و جعل يمشي في المحجة، قال فبكى فقيل ما يبكيك؟ فقال: هذا مثل العبد ما زال يتوقى الذنوب و يجانبها حتى يقع في ذنب منها أو ذنبين فعندها يخوض الذنوب خوضا و على العبد أن يتوب من الغفلة التي هي كائنة، فإذا هذا لم تنقطع أبدا توبته. و قد جعل الله تعالى أهل الغفلة في الدنيا هم أهل الخسران في العقبى. فقال عز من قائل"و أولئك هم الغافلون لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون" و لكن غفلة دون غفلة، و خسران دون خسران، و لا تستحقرن الغفلة فإنها أول المعاصي و هي عند الموقنين أصل الكبائر؛ و قد جعل علي كرم الله وجهه الغفلة إحدى مقامات الكفر و قرنها بالعمى و الشك و أمال صاحبها عن الرشد و وصفها بالحسرة؛ فقال في الحديث الذي يروى عن طريق أهل البيت، فقام عمار بن ياسر فقال: يا أمير المومنين أخبرنا عن الكفر على ما بني؟ فقال: على أربع دعائم على الجفاء و العمي و الغفلة و الشك، فمن جفا احتقر الحــــــق و جهر بالباطل و مقت العلماء؛ و من عمي نسي الذكر، ومن غفل حاد عن الرشد و غره الأماني فأخذته الحسرة و الندامة و بدا له من الله ما لم يكن يحتسب؛ و من شك تاه في الضلالة. و قال بعض العلماء: من صدق في ترك شهوة و جاهد نفسه لله تعالى سبع مرات لم يبتل بها. و قال آخر: من تاب عن ذنب و استقام سبع سنين لم يرجع إليه أبدا. و قال بعض العلماء: كفارة الذنب المعتاد أن تقدر عليه عدد ما أتيته ثم لا تقع فيه، فيكون كل ترك كفارة لفعل و هذا حال الأقوياء من التوابين و ليس هو طريق الضعفاء من المريدين، فليعمل العبد على الابتعاد من الذنوب، و في الحديث :" كل بني آدم خطاء و خير الخطائين المستغفرون " و قد وصف الله تعالى المومنين بترك متابعة الذنوب و ترادف السيئة بالحسنة في قوله تعالى:" أولئك يوتون أجرهم مرتين بما صبروا و يدرءون بالحسنة السيئة " و قد جعل هذا من وصف العاملين الذين صبروا، فقال تعالى" أولئك يوتون أجرهم مرتين بمـــــــا صبروا و يدرءون بالحسنة السيئة" فجعل الله تعالى لهم صبرين عن الذنب وعلى التوبة فآتاهم به أجرين و قد اشترط الله تعالى على التائبين من المومنين ثلاث شرائط و شرط على التائبين من المنافقين أربعة، لأنهم اعتلوا بالخلق في الأعمال، فأشركوهم بالخالق في الإخلاص، فزاد عليهم الشرط تشديد الشدة دخولهم في المقت، و اعتل غيرهم بوصفه فخفف عنهم شرطين فقال عز و جل :" إلا الذين تابوا و أصلحوا و بينوا " قوله تعالى تابوا أي رجعوا إلي من أهوائهم و أصلحوا أي ما أفسدوا بنفوسهـم، و بينوا فيها وجهان أحدهما بينوا ما كانوا كتموا من الحق و أخفوا من حقيقة العلــم و هذا لمن عصى بكتم العلــم و لبس الحق بالباطل. و قيل بينوا توبتهم حتى تبين ذلك فيهم، فظهرت أحكام التوبة عليهم. و قال في الشرطين الآخرين المنافقين في الدرك الأسفل من النــــــار و لن تجد لهم نصيرا إلا الــذين تابـــوا و أصلحــوا و اعتصموا بالله و أخلصوا دينهم لله" و كانوا يعتصمون بالناس و بالأموال، و كانوا يراءون بالأعمال، فلذلك اشترط عليهم الاعتصــام بالله و الإخلاص لله عـز و جل فينبغي أن تكون توبة كل عبد عن ضد معاصيه قليلا بقليل أو كثيرا بكثير و يكون التائب على ضد ما كان أفسد ليكون كما قال الله تعالى " إنا لا نضيع أجر المصلحين " و لا يكون العبد تائبا، حتى يكون مصلحا و لا يكون مصلحا حتى يكون يعمل الصالحات ثم يدخل في الصالحين، و قد قال الله تعالى:" و هو يتولى الصالحين " و هذا وصف للتواب، و هو المتحقــق بالتــــــــوبة و الحبيب لله تعالــى، كمـا قـال تعالــى " إن الله يحب التوابيـــن" أي يتولــى الراجعيــن إليه عن أهوائـهم و المتطهرين له من المكاره، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التائب حبيب الله " و سئل أبو محمد سهل متى يكون العبد التائب حبيب الله تعالى؟ فقال: حتى يكون كما قال الله تعالى:" التائبون العابدون الآية " ثم قال الحبيب لا يدخل في شيء لا يحبه
الحبيب، و قال لا تصح التوبة حتى يتوب من الحسنات و قد قال غيره من العارفين : العامة يتوبون من سيئاتــهم و الصوفية يتوبون من حسناتــهم يعني من تقصيرهم في أدائها العظيم ما يشهدون من حق الملك العزيــز سبحانه و تعالى المقابل بها و من نظرهم إليها أو نظرهم إلى نفوسهم بها و هي منة الله تعالى إليهم واصلة . و كان سهل يقول : التوبة من أفضل الأعمال لأن الأعمال لا تصح إلا بها، و لا تصح التوبة إلا بترك كثير من الحلال مخافة أن يخرجهم إلى غيره. و الاستغفار قوت التوابين و مفزع الخطائين. قال الله تعالى و هو أصدق القائلين: " استغفروا ربكم ثم توبوا إليه " و قال تعالى:"و الذين يتوبون إلى الله و يستغفرونه الاستغفار مع الذنب سؤال من الستر و مغفرة الله تعالى لعبده في حال ذنبه ستره عليه و حلمه عنه. و يقال ما من ذنب ستره الله تعالى على عبده في الدنيا إلا غفر له من الآخرة. إن الله تعالى أكرم أن يكشف ذنبا كان قد ستره و من ذنب كشفه الله في الدنيا إلا جعل ذلك عقوبة عبده في الآخرة فالله أكرم من يثني عقوبته على عبده، و روي عن علي (ض) و ابن عباس نحو ذلك وقد أسنداه من طريق الاستغفار بعد التوبة و هو سؤال العبد مولاه العفو عن المؤاخذة و مغفرة الله تعالى لعبده بعد التوبة و هو سؤال العبد بعد التوبة تكفيره لسيئــاته و تجاوزه عنها بالعفو الكريم، و هو تبديل السيئات حسنات، كما جاء في الخبر أن تفسير قول العبد: يا كريم العفو قال هو أن عفا برحمته عن السيئات، ثم بدلها بكرمه حسنات و قد أحكم الله تعالى ذلك بقوله :" فاستقيموا لله و استغفروه " بعد قوله تعالى :"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا و لا تحزنوا " أي وحدوا الله تعالى ثم استقاموا على التوحيد، فلم يشركوا و قيل: استقاموا على السنة فلم يحدثوا، و قيل: استقاموا على التوبة فلم يروغوا معها أن لا تخافوا عقــاب الذنوب، فقد كفرهـا عنهم بالتوحيد، و لا تحزنوا على ما فــاتكم من الأعمال، فقد تداركها الله تعالى بالتوبة. و بلغكم منازل المحسنين بالاستقامة، ثم قال تعالى " و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" في السابق نحن أولياؤكم أي نليكم و نقرب منكم في الحياة الدنيا و في الآخرة بالتثبيت لكم على الإيمان و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم أي أجسامكم من النعيم المقيم و لكم فيها ما تدعون أي ما تتمنون بقلوبكم من النظر إلى الملك الرحيم.
التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و المستغفر من الذنب و هو مصر عليه كالمستهزئ بآيات الله تعالى. و كان بعضهم يقول استغفر الله من قولــي، و أستغفر الله باللسان عن غير توبـــة و ندم بالقلب. و في الخبر الاستغفار باللسان من غير توبة و ندم بالقلب توبة الكذابيـــــــــن، و كانت رابعة تقول: استغفارنا هذا يحتاج إلى توبة في تصحيحها و الإخلاص من النظر إليهما و السكون و الإذلال بها فمن عقب السيئات بحسنات و خلط الصالحات بالطالحات طمع في النجاة و رجى له الاستقامة قبل الوفاة . قال الله تعالى :" خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم"؛ أي يعطف عليهم وينظر إليهم. و قيل خلطوا عملا صالحا هو الاعتراف بالذنوب و التوبة المستأنفة و آخر سيأتيكما سلف من الغفلة و الجهالة؛ و قد كان بن عباس يقول: غفور لمن تاب، رحيم حيث رخص في التوبة. و قد قــال الله تعالى :" و إني لغفار لمن تاب " أي من الشرك و آمــــن بــالتـوحيـد و عمل صالحـا: أدى الفـرائـض و اجتنب المحارم ثم اهتدى: كان على السنة. و قيل: استقام على التوبة، فهذه صفات المؤمنين، فلم يرد الله تعالى المخلصين إلى ما رد إليه المنافقين و هو التوبة و كذلك رد إليها المشركين إذ لا طريق للكل إلا منها و لا وصول إلى المحبة و الرضا إلا بها؛ و قال تعالى في وصف المنافقين و آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم أي مع الإصرار و إما يتوب عليهم أي بالاستغفار و أحكم ذلك و فصله بما شرطه كما قال في شأن الكافرين ؛  فإن تابــوا و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فخلوا سبيلــهم  و قد قرن الله تعالـى الاستغفار للعبارة
ببقــاء الرسول صلى عليه و سلم في الأمة و رفع العذاب عنهــم بوجـــوده فضلا منه و نعمة و قال تعالى :" و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان معذبهم و هم يستغفرون " و كان بعض السلف يقول: كان لنا أمانان: ذهب أحدهما و بقي الآخر هلكنا يعني الرسول صلى الله عليه و سلم و الذي بقي الاستغفار. و سئل سهل رحمه الله عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال: أول الاستغفار الاستجابة ثم الإنابة ثم التوبة، فالاستجابة أعمال الجوارح و الإنابة أعمال القلوب، و التوبة إقباله على مولاه و ترك الخلق، ثم يستغفر من تقصيره الذي هو فيه و من الجهل بالنعمة، و ترك الشرك، فعند ذلك يغفر له و يكون عند مأواه، ثم ينتقل إلى الانفراد، ثم الثبات ثم البيان ثم القرب ثم المعرفة ثم المناجاة ثم المصافاة ثم المولاة ثم محادثة السر و هو الخلة و لا يستقر هذا في قلب عبد حتى يكون العلـــم غـذاءه و الذكـر قوامـــــــه، و الرضا زاده، و التفويض مراده و التوكل صاحبه، ثم ينظر الله تعالى إليه فيرفعه إلى العرش فيكون مقامه مقام حملة العرش؛ و كان يقول: العبد لا بد له من مولاه على كل حال، و أحسن حاله أن يرجع إليه في كل شيء إذا عصى يقول يا رب استر علي فإذا فرغ من المعصية قال يا رب تب علي، فإذا تاب قال يا رب ارزقني العصمة، فإذا عمل قال يا رب تقبل مني، و من أحسن ما يتعقب الذنب من الأعمال بعد التوبة و حل الإصرار بما يرجى به كفارة الخطيئة ثمانية أعمال أربعة من أعمال الجوارح و أربعة من أعمال القلوب، فأعمال الجوارح أن يصلي العبد ركعتين ثم يستغفر سبعين مرة و يقول: سبحان الله العظيم و بحمده مائة مرة، ثم يتصدق و يصوم يوما. وأعمال القلـوب هي اعتقاد التوبة منه و حب الإقلاع عنه و خوف العقـاب عليه و رجـاء المغفرة له ثم يحتسب على الله حسن ظنه، و صدق يقينه، و كفارة ذنبه، فهذه الأعمال قد وردت بها الآثار، إنها المكفرة للزلل و العثار؛ و قد يشترط في بعضها فيتوضأ و يسبغ الوضوء ويدخل المسجد و يصلي ركعتين. و في بعض الأخبار فيصلي أربع ركعات قال و يقال: إذا أذنب العبد أمر صاحب اليمين صاحب الشمال و هو أمير عليه أن يرفع القلم عنه ست ساعات فإن تاب و استغفر لم يكتبها عليه، و إن لم يستغفر كتبها، و يقال صدقة الليل تكفر ذنوب النهار وصدقة السر تكفر ذنوب الليل و في بعض الأخبار إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تكفرها، السر بالسر و العلانية بالعلانية، و في أخبار متفرقة جمعناها ما من يوم طلع فجره و لا ليلة غاب شفقها إلا و ملكان يتجاوبان بأربعة أصوات يقول أحدهما: يا ليت هذا الخلق لم يخلقوا. و يقول الآخر: و يا ليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا، فيقول الآخر: يا ليتهم إذ علموا لماذا خلقوا عملوا بما علموا. و في بعضها تجالسوا فتذاكروا ما عملوا و يقول آخر يا ليتهم إذ لم يعلموا بما عملوا تابوا مما عملوا فأول ما يجب لله عز و جل على عبده، أن لا يعصيه بنعمة لا تكـــون معصية كفـــرانـــا لنعمتــه، و جوارح العبد و ما له من نعم الله تعالى عليه، لأن قوام الإنسان بجوارحه و ثبات جوارحه بالحركة و منافع الحركة بالعافية، فإذا عصاه بالنعمة فقد بدلها كفرا. كما قال تعالى: " بدلوا نعمة الله كفرا" قيل: استعانوا بها على معاصيه، ثم توعد على التبديل بالعقاب الشديد فقال : و من بدل نعمة الله من بعدما جاءته فإن الله شديد العقاب فقد يكون العقاب على تبديل النعمة بالمعصية معجلا في الدنيا، و يكون مؤجلا في الآخرة و قد يكون في أسباب الدنيا، و قد يكون في حرمان أسباب الآخرة، لأنه مآله و مثواه و قد يكون فيها معا
اللهم اعصمنا من الزلل و الخطايا، و ارزقنا توبة نصوحا، قبل فجأة المنايا، و انفعنا ببركة الصالحين، و احشرنا تحت أقدام المتقين
تابع القراءة Résumé abuiyad

حقيقة الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم

0 التعليقات
حقيقة الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على خير البشر و افضل المرسلين و على اله و صحبه و سلم تسليما
قال الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الاحزاب 56.
في هذه الاية يبين الله لنا في الجزء الاول من الاية { إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } فرق و جمع في الصلاة على النبي الاكرم صلى الله عليه و سلم بين صلاة الله عز وجل و صلاة الملائكة الكرام عليهم السلام. اما الفرق فيخص حقيقة الصلاة و مقام تنزلها. فصلاة الله على حبيبه صلى الله عليه و سلم هي صلاة كنزية جبروتية منه اليه ليس كمثلها شيء. صلاة انزلها الله محبة لنبيه صلى الله عليه و سلم في قبضة نورانية قال لها كوني محمدا فكانت محمدا صلى الله عليه و سلم. و ان كانت كلمة الصلاة قد انشقت من كلمة الصلة بمعنى تداوم الصلة و تكرارها فان صلاة الله عز وجل على حبيبه صلى الله عليه و سلم مبنية على اسمائه الاول و الاخر و الظاهر و الباطن. فالله هو اول من صلى على النبي صلى الله عليه و سلم لان الصلاة منه و هو اخر من صلى عليه لانها اليه. و هو من اظهر الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم تحقيقا بواحديتة و ابطنها علما بأحديته. فان كانت حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم هي مراة الوجود فما صلى الله بالصلاة على حبيبه صلى الله عليه و سلم الا على نفسه. و من هذا الباب قال صلى الله عليه و سلم: " لا يعرف قدري الا ربي".
اما صلاة الملائكة الكرام عليهم السلام على النبي صلى الله عليه و سلم فهي من جهة صلاة ملكوتية رحمانية. صلاة انزلها الله عزوجل من القبضة النورانية الرحمانية المحمدية الى الملكوت الاعلى لاستقبال الاسرار الجبروتية و تحويلها الى انوار ملكوتية و رحمات ملكية لتبين لنا حقيقة الاية { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} من سورة الانبياء 107. فصلاة الملائكة الكرام تخص تكليفهم بسريان الاسماء على منهج شريعة المصطفي صلى الله عليه و سلم. فمنهم من صلاته متعلقة باسم الله الرزاق او اسم الله المحيي او المميت او غيرها من الاسماء الحسنى. و كلها تحت مظلة اسم الرحمة الجامع " الرحمن". و من جهة اخرى فهي صلاة ملكية رحيمية. صلاة انزلها الله من انوار الملكوت الى حقائق الملك لطائفة خاصة من عباده و هي مبنية على اسم الله الغفار تحت مظلة اسم الرحمة الخاص " الرحيم". و هذه الصلاة تخص استغفار الملائكة لاهل الارض من المسلمين على قدر ايمانهم كما جاء في الاية { وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الشورى 5. فتكون صلاة الملائكة الكرام عليهم السلام على النبي صلى الله عليه و سلم واسطة بين ربوبية الله عزوجل و بين عبودية سائر خلقه من المسلمين. 
اما الجمع بين صلاة الله عزوجل و صلاة الملائكة الكرام عليهم السلام فهذا من باب غيبية الامر. فكل من الله و الملائكة و الجبروت و الملكوت امور غيبية لم يطلب من الانسان الا الايمان بها كما جاء في حديث سيدنا جبريل عليه السلام: {.....قال : يا رسول الله حدثني عن الإيمان قال : " الإيمان أن تؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين...}. فاذا امن الانسان بصلاة الله و صلاة الملائكة على النبي صلى الله عليه و سلم صلى عليه هو ايضا ابتغاء الاجر و القرب و استغفار الملائكة له. 
اما بالجزء الثاني من الاية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} يريد الله ليبين لنا ثلاثة امور مهمة جدا. الامر الاول هو ان الخطاب ليس عام لجميع المسلمين و لكن يخص طائفة المؤمنين فقط "يا ايها الذين امنوا". الامر الثاني امر تكليفي لهذه الطائفة دون غيرها من المسلمين "صلوا عليه" اي صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم. الامر الثالث الجزاء الذي يجازي به الله هذه الطائفة بسبب هذا التكليف "وسلموا تسليما". بعد ان علمنا ان الله كلف امة الاسلام بخمسة اشياء فقط و هي الشهادة و الصلاة الخمس و الصيام و الزكاة و الحج فلماذا وجه الله امرا تكليفيا لطائفة خاصة من المسلمين او من هم طائفة المؤمنين هؤلاء؟ نقول بعون من الله ان هذه الطائفة من المؤمنين هم اناس بايعوا القبضة النورانية من خلال الشجرة المباركة الزيتونية المنفية عن الجهات فشعشع نور الحقيقة المحمدية في قلوبهم على كنه مصباح في زجاجة في مشكات فصار كوكبا دريا يوقد من الشجرة المباركة الزيتونية حتى يفنى نوره في نور احمد صلى الله عليه وسلم و يصير نورا على نور. او بمعنى اخر المؤمن هو الذي دخل مقام الايمان من باب من ابوابه بعد بيعة شيخ رباني مأذون ابتغاء معرفة الله و معرفة الرسول صلى الله عليه و سلم. فلهذا كلفه الله بالصلاة على احب الخلق اليه صلى الله عليه و سلم ليسلك به اليه من خلاله. فغاية المؤمن ان يسلك الى مقام الاحسان و يصبح من اهل المشاهدة عند الوعي او من اهل المراقبة عند الغفلة: {ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك}. ومقام الاحسان هو مقام الجزاء الذي هو "وسلموا تسليما" اي وسلموا على النبي تسليما تركيزا على دوام السلام عليه الصلاة وافضل تسليم. فيكون المؤمن او المحسن في تسليم دائم على النبي صلى الله عليه و سلم مشاهدا لذاته الشريفة يقظة او مشاهدا لنوره لأن من شاهد ذاته الشريفة هو من خاصة الخاصة ومن شهد نوره هو من خاصة خاصة خاصة .. اذن بهذا التكليف للمؤمن ترفع درجته بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم من صلاة اجر الى صلاة تسليم و مشاهدة. من صلاة غفلة الى صلاة علم و يقضة. من صلاة نطق الحروف باسم محمد صلى الله عليه و سلم الى صلاة رؤية نور حروف اسم محمد صلى الله عليه و سلم و نور حقيقته و نور ذاته الشريفة. و اذا سلك المؤمن سلوكا كاملا و صار من اهل القرب و الحب فنى عن نفسه في نور المصطفى صلى الله عليه و سلم وصار عين الصلاة على النبي كما بينا هنا. فيصلي الله عليه صلاة جبروتية و الملائكة تصلى عليه صلاة ملكوتية و الناس يصلون عليه صلاة ملكية فتكثر نوافله و يزداد قربه و حبه من الله عزوجل و من رسوله الاكرم صلى الله عليه و سلم. فجاء في حق المؤمنين قوله تعالى:{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}. يعني يبشرهم شيخهم بنعمة نور الايمان من الله و فضل السلوك الى السلام الدائم على النبي صلى الله عليه و سلم و ان هذه النعمة و الفضل دائمين لان الله لا يضيع اجر المؤمنين. اما في حق المحسنين جاء قوله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ *** وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}. اقامة الصلاة عند المحققين هي التوجه الى الكعبة المحمدية و التلاشي في القبضة النورانية التي توجد في مركز دائرة الاحاطة الالهية, لكي يتخلق ب:{انا ارى من خلفي كما ارى من امامي} و يتحقق ب: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّـهِ}. اما طرفي النهار و زلفا من الليل فهذا لتكميل دائرة الزمان و جمعها بدائرة المكان لنعلم مقامنا في الحركة و السلوك الى الله بميزان الحسنات و السيئات او الظلمات و النور حتى يتذكر الذاكرون. و بعدما كان الانسان مأمور بالصبر بهويته الفصلية الثنائية اصبح من اهل الاحسان و مأمور بالصبر بهويته الجمعية التسليمية: ان الدين عند الله الاسلام.
خلاصة الكلام: الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم لها وجهين. وجه الاجر لعامة المسلمين: {من صلى علي مرة  صلى الله عليه عشرمرات} و هناك الكثير من الاحاديث التي تحث على كثرة اجر الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم. و الوجه الاخر لخاصة من المسلمين و هم طائفة المؤمنين الذين بايعوا شيخا ربانيا مأذونا. فتكون صلاتهم على النبي اساس ترقيهم و قربهم من الله و بها يكون النبي صلى الله عليه و سلم هو الوسيلة العظمى بين العبد و ربه. فعليك اخي المسلم ان كنت تريد وجه الله ببيعة شيخ رباني يفتح لك باب الايمان و ينور قلبك بنور الشجرة الزيتونية المباركة و يسلك بك الى مقام الاحسان حتى تمد يدك للنبي صلى الله عليه و سلم و تسلم عليه سلاما حسيا حقيا في اليقضة لا شك فيه و لا خيال. و الحمد لله الذي عرفنا على الختم المحمدي الواحد ومنزله الاحمدي الاحد حقيقة الاسم الاعظم و طلسم الصلاة على النبي الاعظم سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره الذي فتح لنا الباب قبل السؤال و اجارنا من جميع الاهوال و بين لنا الاحوال و نحن في حال المحال. اللهم جازيه عنا افضل ما جازيت به شيخا عن مريديه و اجعله من حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه في صلاة دائمة منك اليك عليه و حققنا بالنظر الى انواره و اسراره المنشقة من ذاتك و صفاتك. اللهم صل و سلم على سيدنا محمد و على جميع الانبياء و المرسلين و على اله الطاهرين و اصحابه الميامين و نحن معهم الى يوم الدين
تابع القراءة Résumé abuiyad

الحضرة الهارونية : الدرس الأخير

0 التعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي الكبير سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة 25 جمادى الثانية 1435هـ الموافق ل 25 أبريل 2014م
الحضرة الهارونية : الدرس الأخير
 


لقد تنوعت نظرات العارفين إلى القلب كل واحد منهم قسمه حسب حاله ومقامه فهناك من قسمه بحكم نظره إلى أيام السنة فجعله 365 جزء وهناك من غلب عليه النظر إلى ساعات الليل والنهار فقسمه إلى 24 جزءا ومنهم من قسمه إلى أربعة أجزاء حسب نظره إلى فصول السنة...وهذا التقسيم يكون منهم بحكم المشاهدة وليس الخبرلأن الخبر قد يكون صحيحا فيصح التقسيم و يكون غير ذلك فتخطئ في التقسيم.
وهذا النظر إلى اليوم والساعة والفصل ليس المقصود منه هذه الثلاثة بذاتها لأنها مخلوقة مُلكية إنما مرغوبهم منها تلك الرقائق الملكوتية التي تظهر في القلوب عند إستجلاء حقائق قوله صلى الله عليه وسلم : (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر) رواه مسلم...فخلف الأواني معاني ومن وقف مع الفاني حُجب عن الباقي.

 
والعارف يدخل على قلبه بحكم هاء الفناء فيبقى له هذا التقسيم الفاني...فيحصل على النظرة الأليفية (كان الله ولم يكن شيء غيره ) البخاري وذلك عند رؤيته للحروف فلايحجبه إعوجاجها عن شهود لطافة الألف فيها...لذلك قال من عرف هذا المعنى : وهو الآن على ما عليه كان
ويظهر هذا السريان لمن غاب عن جسمه وعن ما سوى الله تعالى أما إذا رأيت المريد خرج من الخلوة وهو لازال مشغولا مع رسمه فذلك من جموده وغبائه...وسبب الجمود غياب القلب عن الواسطة الدينية وإبدالها بواسطة دنيوية فيقع المريد في الحجاب...فالقلب لابد له ان يميل تجاه ما غلب عليه لذلك جاء في الاثر عن المسيح عليه السلام قوله : ( ضعوا أموالكم في السماء ) وقد مر معنا سبب فتنة بنوإسرائيل حين عبدوا المال في صورة العجل..لان قلوبهم كانت متعلقة به فكانت سفلية...لذا هذا التوجيه العيساوي تعليم من أجل أن يستقيم لام الواسطة عندكم لأن صرف الاموال في الصدقات ووضعها في حجر الملائكة...إبتغاء الجنة يجعل همتك علوية على الأقل...واعلى منه من جعل صدقته لله لا يطلب عنها عوضا سوى رضا مولاه وقربه كما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها قولهن: ( إن درهم الصدقة يقع في يد الله قبل أن يقع في يد الفقير) فكانوا يعطرونه قبل وضعه في يد الفقير... ففرق بين من يعمل لله من اجل الجنة وبين من يعمل لله من اجل الله..كالفرق بين الجنة والله سبحانه وتعالى فافهم

لذلك لا يذوق حلاوة الواسطة ويعرف اللام إلا من صار لله جل وعلا…بالتجرد عن السوى والغياب عن النفوس السفلية وصولا إلى النفس المطمئنة عندئذ يصير في حكم إستقامة الروح إذا نظر إلى اللام رآه ألفا لصفاء نظرته وذلك بالغياب عن الصور المعدومة اما من بقي معها صار محجوبا


 

فالنظر إلى لام الواسطة على أنه ألفا هو عين النظر إلى العبد الرباني المخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : { إن الله تعالى قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر فيه ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه } رواه البخاري فمن وقف مع البشرية حُرم سر الخصوصية
لذلك إختلفت نظرات العباد إلى الواسطة العظمى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله في حقه : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) التوبة الأية 128...فعلى حسب منزلة أنفسهم نظروا إلى الواسطة....فمن كانت نفسه امارة أو لوامة غلبت عليه النظرة الجسدية ومن كانت نفسه مطمئنة غلبت عليه النظرة الروحية ومن كانت نفسه كاملة شاهد الكمال المحمدي فجمع بين النظرتين الجسدية والروحية
فأصحاب النظر الجسدي بقوا مع المجسمات فإذا نطقوا من مقامهم قُيدت كلماتهم لأنها فناء...أما من كان روحانيا فكلامه علويا لا تطلع عليه الملائكة فتقيده ولا الشياطين فتفسده لانه من معدن سر الإخلاص...فالعارف يرى كل شيئ هاءا ثم يرتقي فيرى كل شيئ لاما ثم يرتقي فيرى كل شيئ ألفا فمن نظر إلى قلبه من حضرة مساس الألف يجده مائلا نحو اللام
والألف خيط تمدده كيف تشاء لذلك ظهر في جميع الحروف كما ظهر الواحد في جميع الأعداد...لذلك من وصل إلى مساس الألف ونظر إلى الحروف يجدها كلها ألفا ثم إذا نظر مرة اخرى قرآها لاما ثم ينظر مرة ثالثة فيجدها هاءا وهذا كله خاص باهل المشاهدة لا يُدرك بغيرها....فمثلا إذا ظهرت لك الحاء ودققت فيها حتى عدت بها إلى كنزية الألف وبقيت معه بحكم الحب فسيظهر لك بعد ذلك انه صار لاما فيزداد عشقك له لان مرتبة اللام 70 بعدد الحجب التي بين الحق والخلق فتخترقها ثم تنظر إليه بكونه فناء لا وجود لك ولا له في الهاء...وانت بهذا السير تقرأ إلـــه ( الف ولام وهاء ) حيث دخلت على الحضرة فعلمتك...وهكذا إذا ظهر لك سريان الألف في الحاء ستعرف درجتها الثلاث : الجبروتية والملكوتية و الملكية...كما في هذا الرسم التوضيحي

 

وعندئذ ستعرف لماذا سماها أهل الله الحاء العرشية ؟ ولماذا تأخذ رقم ثمانية في حساب الجمل ؟ ولماذا أقسم الحق بها في كتابه سبع مرات بإضافة الميم المحمدي لها ( حم ) ؟...كل هذا تدركه بالمشاهدة والكلام موجه خصيصا لأهلها....وهكذا تفعل مع كل الحروف تنظر إليها هاءا ثم لاما ثم ألفا حتى تعرف حقيقتها
ونحن في الحضرة الهارونية نتعلم النظرة الأليفية لأن هذه الحضرة حضرة تدخلنا على مساس الألف المكون من ثلاث مراتب  مرتبة الرسالة في أعلاه ومرتبة الولاية في وسطه ومرتبة النبوة في أدناه...كما في هذا الرسم التوضيحي

 
فسيدنا موسى عليه السلام رسول الله إلى بني إسرائيل وسيدنا هارون عليه السلام نبي الله تعالى وخليفة سيدنا موسى عليه السلام على قومه...والأدلة على أن سيدنا هارون عليه السلام كان نبيا وليس رسولا كثيرة منها قوله تعالى : (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) مريم 35... ومن السنة حديث مصعب ابن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليا فقال أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال ( ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه ليس نبي بعدي ) رواه البخاري ومسلم
والاستثناء يدل على نبوة سيدنا هارون عليه السلام...وأهل العلم يقولون كل رسول نبي وليس كل نبي رسول...وكل نبي ورسول ولي لله تعالى وقد قال ابن تيمية رحمه الله : (وقد علم أن كل رسول نبي، وكل نبي ولي، ولا ينعكس)...لذا كل رسول تجتمع فيه حقيقة الألف بمراتبه الثلاثة...أما النبي فتظهر فيه مرتبتين فقط من مراتب الألف وهي : الولاية والنبوة
لذلك لما ذهب سيدنا موسى عليه السلام إلى ميقات ربه وترك على قومه سيدنا هارون عليه السلام...فكأنما بقي معهم نصف الألف السفلي فكان تأثيره على قومه ضعيفا حتى مالوا نحو الذهب وعبدوا العجل لانهم فقدوا نصف الألف الرسالي العلوي الذي بقي مع سيدنا موسى عليه السلام وفقدوا أيضا نصفه الأخر النبوي عندما لم يريدوا ان يستمعوا لسيدنا هارون عليه السلام عندما نهاهم عن عبادة العجل لسيطرة إتباع الهوى عليهم
 
ولكن عندما رجع موسى عليه السلام وأعاد وصل الألف العلوي بنصفه السفلي عندما أخذ بلحية أخيه قال تعالى : (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه ) الاعراف 150...كل هذا على سبيل الإشارة لا الظاهر...فتمكن بإذن الله تعالى من نسف العجل في اليم نسفا...وبين لهم طريق الهداية قال تعالى حاكيا عنه : (إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ) طه 98...فحيثما ظهر الألف تحل الهداية والإستقامة...ولقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه قال : خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ، ثم قال : " هذا سبيل الله مستقيما "..فتأمل
فالعودة بالحروف إلى كنزية الألف يوصلك إلى درجة العبودية التحقيقية بالذل الدائم لعز الربوبية...لانه سيظهر لك سر ( بي في الأثر المروي ( فبي عرفوني ) فالباء رتبتها إثنان و الياء عشرة فيكون المجموع 12 وهي عدد حروف لا إله إلا الله...ولا إله إلا الله جمعت النفي والإثبات أوقل الفناء و البقاء أوقل العبودية و الألوهية
فالخط الأليفي المستقيمي هو خط السير في مدراج ومعارج لا إله إلا الله محمد رسول الله...بميلان القلب تجاهها وتعلقه بها حتى يحصل على تحققها...لذلك احرصوا على معرفة ميلان قلوبكم نحو من ؟ وأين هو ؟وماذا يريد ؟...وطريقة معرفة ذلك سهلة جدا ما عليك سوى الجلوس في غرفة لوحدك في الثلث الاخير من الليل وضعْ مرآة أمامك وخاطبها بكل صدق عن أعمالك ومبتغاك ومرادك...هل انت تريد الله عزوجل ؟ أم تريد ما سواه ؟ وهذا معنى إستفتاء القلب الذي ورد في الحديث النبوي : ( استفت قلبك ) رواه أحمد وحسنه الألباني
فالقلب إذا مال نحو أمر ما خضع له وتذلل له...وإن أردت أن تعرف قدرك عند الله ففتش في قلبك عن قدر الله في قلبك...ولهذا تدركون السبب الذي جعل الكفار يعبدون الأصنام من دون الله تعالى لان قلوبهم مالت إليها حبا وخضوعا و إعتقدوا فيها المزية والأفضلية لذلك لم تستقبل قلوبهم انوار الهداية كما قال سبحانه وتعالى فيهم : ( إن الله لا يهدي القوم الكافرين )المائدة 67...لأنه لا تحل الهداية في قلب حتى تزول منه السوى وتنمحي وعلى قدر فراغ القلب من السوى على قدر حلول الهداية وإستقرارها فيه فافهم
فالكافرون عبدوا الموجودات وهم يعرفون أنهم يعبدون ما لا ينفعهم ولا يضرهم...لذلك إذا سألتهم سموا لنا ألهتكم يقولون لك هذا حجر أو بقر أو شجر او غيرها...فهم يدركون ما يعبدون لذلك تاهوا في بحار الضلال...لذا قال تعالى فيهم : (وجعلوا لله شركاء قل سموهم ) الرعد 33...فسموهم بتسميات الموجودات لذلك حكى الحق سبحانه وتعالى عن سيدنا إبراهيم قوله : ( فاسألوهم إن كانوا ينطقون ) الانبياء 63..فكان جواب قومه : ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) الانبياء 65...فغلبهم ودحض باطلهم وتبين انهم يعرفون ما يعبدون لذلك لم يهدهم الله عزوجل لأن لهم عقل يميزون به لكنهم إتبعوا الهوى ومالوا نحو السفليات...لذلك احذروا أن يكون هواكم إلى غيره...واجعلوا قلبوكم متعلقة بلامي القبض والمعرفة...فعلى قدر ميلك نحو الواسطة وعلى قدر محبتك وتعظيمك لها تمزق الحجب السبعين التي بين الحق والخلق فتحصل على معرفة الله تعالى
والذي يمنعك من تعظيم الواسطة هي نفسك التي تميل نحو الرياسة او الجاه او تتوهم العلم والمعرفة والقرب بوقوفك معها دون ردها لأصلها وشهود المنة فيها...لذلك كل شيء جاءك ثقيل على نفسك فاعلم أنه يشير الى نقص فيك...وهكذا فقُد نفسك نحو اللام تُقاد لك الموجودات
لذا كانت معرفة النفس هي أصل العلم ف( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) لذلك من اجل التربية خالف نفسك أولا وجاهدها حتى تطئمن ثم اصحبها إلى حضرة الله...لذا جعل اهل الله أصولا تساعدك على الظفر بكنزك المدفون فيك...فجعلوا لبس المرقعة والتسول في الأسواق وتعليق السبحة على الأعناق...حتى تصبح لا تشعر و لا تبالي بنظر أحد إليك سوى الله تعالى
فالقيام بهذه الأصول يحررك من تقيد نفسك حتى تحظى بالإطلاق...فمن لم يستطع لبس المرقعة أو وضع السبحة في العنق كيف له أن يسيح في القفاري ويمشي حافي القدمين ويناجي ربه في الأسواق وينام بين المقابر حتى يتذوق الليلة القبرية هنا قبل وصولها...فهكذا فلتستعدوا لليلة ليس فيها إنارة ولا انيس فزينوا أيامكم بالأعمال الصالحة حتى يظهر لكم في صورة رجل جميل الهيئة في القبر حتى تستأنسوا به وتنسوا من فقدتم في الدنيا

 

فبمجاهدة النفس يظهر لك هذا الكون على حقيقته وأنه عدم لا وجود له إلا بالله تعالى...فيرزقك الله نورا تعرف به قربه منك ورؤيتك لهذا النورهي رؤيتك بعين بصيرتك للحق وليس لله تعالى لانك ترى مَثَلُ صفته تعالى أما الله سبحانه وتعالى ( لا تردكه الأبصار )..أما وصفك لهذا النور فهو وصف للزجاجة التي ظهر فيها النور اما النور لا لون له ولا قدرت لك على وصفه...فالروح لطيفة ترى اللطافة السارية أما الجسد فمقيد لا يرى إلا الكثافة لذلك في المشاهدة ترى روحك في صورة جسدك فترى الجنان والنيران وذلك بعين قلبك
وبحكم رؤيتك لمثلية النور ( مثل نوره ) تعرف قربه أما هو فالعجز عن إدراكه إدراك...فإذا كنت تعجز عن وصف الألف فكيف بمن أوجده...والأنوار والتجليات تنفع العبد الذي عقله غير مقيد لذلك قد تكون حجابا إذا ما وقفت معها اما من ذاق سر النور وخرق الأسوار فلا حجاب عليه
تابع القراءة Résumé abuiyad

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

كلمة التوحيد لا إله إلا الله

0 التعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التوحيد لا إله إلا الله و هي مفتاح الجنة وهي المطهرة القلب من الدنس والشرك، من قالها كان آمنا في نفسه وفي ذاته وفي فكره، وابتعد من الشوائب وكان موحدا حقا، وكان مسلما حقا، وكان طائعا حقا وخصوصا إذا داوم عليها في السر و العلانية، في الظاهر و الباطن، وأعطاها حقها. . عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، قيل وما إخلاصها؟ أن تحجز عما حرم الله ". فان تحقق القلب بمعنى لآ إله إلا الله وصدقه فيها وإخلاصه بها يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده إجلالا وهيبة ومخافة ومحبة ورجاء وتعظيما وتوكلا ويمتلئ بذلك وينتفي بذلك من القلب جميع أهاء النفوس وإرادتها إرادة وسواس الشيطان . فمن أحب شيئا أو أطاعه و أحب عليه وأبغض عليه فهو ألهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا لله ولا يولي ولا يعادي إلا لله فالله إلهه حقا، ومن أحب لهواه وأبغض له ووالى عليه وعادى عليه فإلهه هواه، كما قال تعالى "أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه " ومن هنا نرى أن كلمة لا إله إلا الله لها معان كثيرة يجب أن نوضحها حتى ندرك ما نعني، وبذلك يتحقق لدينا معرفتها. وأما صاحب الهوى الذي لا يدرك معنى لا إله إلا الله، قال الحسن:هو الذي لا يهوى شيئا ركبه. وقال قتاد: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى . ويروى من حديث أبي أمامة مرفوعا " ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع ". وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله فقد عبده كما قال الله عز وجل "ألم أعهد إليكم يا بني ءادم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " يس. فتبين بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى لا إله إلا الله إذا لم يكن في قلبه إصرار على محبة ما يكره الله و لا على إرادة ما لا يريده الله. ومتى كان في القلب شيء من ذلك كان ذلك نقصا في التوحيد وهو نوع من الشرك الخفي. وبهذا قال مجاهد في قوله تعالى "ألا تشركوا به شيئا " و قال لا تحبوا غيري. وهذا هو التوحيد الخالص الذي لا غموض فيه، ولقد تبين أنه الحق وأنه الصراط المستقيم، فالاتباع و الاستماع بوحدانية الله وحده لا شريك له و هو الهدف الأسمى عند المحققين وأصحاب الذوق الرفيع، ومن ثم خرج بن أبي الدنيا من حديث أنس " لا تزال لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم يؤثروا دنياهم على صفقة دينهم، فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا لا إله إلا الله ردها الله عليهم ثم قال كذبتم "
فتبين بهذا المعنى قوله (ص):"من شهد أن لآ إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار" وأن من دخل النار من هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها. فإن هذه الكلمة إن صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله. فمن صدق في قول لا إله إلا الله لم يحب سواه ولم يرج إلا إياه ولم يخش إلا الله ولم يتوكل إلا على الله ولم يبق له بقية من إيثار نفسه وهواه ومتى بقي في القلب أثر لسوى الله فمن قلة الصدق في قولها. نار جهنم يطفأ بنور إيمان الموحدين كما في الحديث المشهور"تقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي" وفي مسند الإمام أحمد عن جابر عن النبي (ص) قال :"لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه الصلاة و السلام، فنار المحبة في قلوب المؤمنين تحيا منها نار جهنم، قال الجنيد رحمه الله قالت النار لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء أشد مني؟ قال: نعم كنت أسلط عليك ناري الكبرى قالت وهل نار أعظم مني وأشد؟ قال: نعم نار محبتي أسكنتها قلوب أولياء المؤمنين، وفي هذا قول بعضهم
ففي فؤاد المحب نار الهوى ***** أحر نار الجحيم أبردها
و يشهد لهذا المعنى حديث معاذ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" من كان آخر كلامه لا إله ألا الله دخل الجنة " فإن المحتضر لا يكاد يقولها إلا بإخلاص وتوبة وندم على ما مضى وعزم على أن لا يعود لمثله، و إن كلمة التوحيد حبيبة على كل قلب مؤمن فهي شعارهم يرفعون أصواتهم بها فوق كل مسجد ويذهبون الشياطين بذكرها وينتصرون بها على أعدائهم. ما من مسلم يرددها على لسانه إلا كانت له حاجزا بينه وبين النار، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ذاق طعم الإيمان من آمن بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا ".
قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: قيل لزبيدة في المنام ما فعل الله بك؟ قالت غفر لي بأربع كلمات؛ الأولى: لآ إله إلا الله أفني بها عمري. و الثانية لآ إله إلا الله أدخل بها قبري. والثالثة لآ إله إلا الله أخلو بها وحدي. والرابعة لآ إله إلا الله ألقى بها ربي. ومر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على مقبرة؛ فقال السلام عليكم يا أهل لا إله إلا الله، كيف وجدتم لا إله إلا الله ؟ فهتف هاتف فقال: وجدناها منجية من كل هلكة. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ينادي مناد من تحت العرش أيتها الجنة وما فيك من النعيم لمن أنت ؟ تقول لأهل لااله الا الله وأنا محرمة على من لم يقل لا إله الا الله ثم تقول النار وما فيها من العذاب لا يدخلني إلا من أنكر لاإله إلا الله، ولا أطلب الا من كذب بلا إله إلا الله، وأنا محرمة على من قال لا إله ألا الله. ثم تقول مغفرة الله ورحمته أنا لأهل لا إله إلا الله وناصرة لمن قال لا إله إلا الله ومحبة لمن قال لا إله إلا الله والجنة مباحة لمن قال لا إله إلا الله والنار محرمة على من قال لا إله إلا الله .أرى المؤمن يتدرج من مقام الى مقام بفضل نعمة لا إله ألا الله، فأبواب الجنة مفتوحة في وجه قائل لا إله إلا الله و النار محرمة عليه، فعلى المؤمن أن لا يتوقف لحظة عن ذكرها ويعود لسانه على لفظها حتى تصير له لذة يتلذذ بها في ليله ونهاره، حتى يصل إلى مراتب الرجال الواصلين إلى رضى ربهم، وقال الغزالي رحمه الله التوحيد ينقسم إلى لب ولب لب وإلى قشروقشر قشر مثال اللوز له قشرتان عليا وسفلى وله لب وهو القلب ولب اللب وهو الدهن فمثال القشرة العليا أن يقول العبد بلسانه لا إله إلا الله وقلبه غافل ومثال القشرة السفلى توحيد المنافق فإنه ينفعه ما دام في الدنيا فإذا مات طرح في النار، ومثال اللب توحيد المؤمن لكن اللب لا يخلو من أشياء لا فائدة فيها كالقشرة الرقيقة الساترة للب فهكذا المؤمن، لأن المؤمن لا يخلو من الالتفات إلى زينة الدنيا، ومثال الدهن توحيد العارف فالدهن لا يخالطه شيء، فكذلك توحيد العارف صار خالصا لا يرى الا الله، ولهذا قيل للجنيد: في النزع قل لا اله الا الله فقال ما نسيته فاذكره. وقال ذو النون المصري رحمه الله ما طلبت الدنيا الا بذكر وما طلبت الآخرة الا برحمته وما طلبت الجنة الا برؤيته. وقال مالك بن دينار وقفت يوما على صومعة راهب: فسمعته يقول: أسألك الخلاص من القصاص، وأستغفرك من ذنوب ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها، فناديته يا راهب كيف تركت الدنيا؟ قال تركتها قبل أن تتركني، فقلت حدثني بقصتك كنت على دين النصرانية فرأيت في المنام قائلا يقول: ويحك إله كم تعبد غير الله ان عيسى عبد من عبيد الله فقلت له: من أنت؟ فقال أنا شفيع المذنبين أنا الذي بشر بي عيسى بنبوتي وشهد موسى بنبوتي أنا في التوراة موصوف وفي الانجيل معروف ثم مسح بيده على صدري وقال اللهم اعط عبدك الرشاد ووفقه للسداد فانتبهت ولا شيء أحب الي من الاسلام، فأسلمت وسكنت في صومعتي هذه.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: موسى يا رب علمني شيئا أذكرك به قال قل لا إله الا الله فقال يا رب كل عبادك يقول هذا انما أريد شيئا تخصني به، قال يا موسى لو أن السموات السبع و الأراضين في كفة و لا إله الا الله في كفة مالت بهم لا إله الا الله . رواه النسائي ويظهر للعيان أن الإيمان لا يتم الا بعد النطق بها و السير على نهجها و التمسك بما تهدف اليه هذه الكلمة الشريف. وعن أبن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ليس على اهل لا إله الا الله وحشة في قبورهم ولا منشرهم وكأني أنظر الى أهل لا إله الا الله وهم ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن. وههنا الآية تشير الى ما في الحديث المذكور أعلاه حيث يقول الله تعالى :" الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما من عبد قال : لا إله الا الله في ساعة من ليل أو نهار الا وطمست ما في الصحيفة من السيئات، حتى تسكن الى مثلها من الحسنات " رواه ابو يعلى .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ما قال عبد لا إله الا الله قط مخلصا الا فتحت له أبواب السماء حتى يفضي الى العرش ما اجتنبت الكبائر رواه الترمذي وعن يعلى بن شداد قال : حدثني أبي شداد بن أوس رضي الله عنه، وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال: "هل فيكم غريب ؟ قلنا : لا يا رسول الله
فأمر بغلق الباب وقال: ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله الا الله، فرفعنا أيدينا ساعة، ثم قال: الحمد لله اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد ثم قال: أبشروا فان الله قد غفر لكم. رواه أحمد باسناد حسن و الطبراني وغيرهما.
وأريد أن أوضح و أبين ما يغيب عن ذهن أحد من الناس في هذه السلسلة من الأحاديث الكثيرة التي دونتها في هذا الكتاب
وفضل لا إله الا الله عند الموت لشهادة أن لا إله الا الله تأثير عظيم في تكفير السيئات و احباطها : لأنها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها، وأقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها، وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها واستخذت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته، وتجرد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتحقق بطلانه؛ فزالت منها تلك المنازعات التي كانت مشغولة بها واجتمع همها وأيقنت بالقدم عليه والمصير اليه فوجه العبد وجهه بكليته اليه، وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه؛ فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا واستوى سره وعلانيته، فقال: لا إله الا الله مخلصا من قلبه، تخلص قلبه من التعلق بغيره و الالتفات الى ما سواه، قد خرجت الدنيا كلها من قلبه، وشارف القدوم على ربه، وخمدت نيران شهوته، و امتلا قلبه من الآخرة فصارت نصب عينيه وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله؛ فطهرت من ذنوبه وأدخلته على ربه الى أن لقي ربه بشهادة صادقة خاصة ووافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها فلو حصلت له الشهادة على هذا الوجه في أيام الصحة لاستوحش من الدنيا وأهلها و فر الى الله من الناس وأنس به دونما سواه لكنه شهد بقلب مشحون بالشهوات وحب الحياة وأسبابها، ونفس مملوءة بطلب الحظوظ و الالتفات الى غير الله فلو تجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها. وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا و النبيون من قبلي : لا إله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . رواه الترمذي .
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم: من قال لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو الحي الذي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا يريد بها الا وجه الله أدخله الله بها جنات النعيم " رواه الطبراني .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه و صل اللهم و سلم على سيدنا محمد عبدك و رسولك النبي الأمي
و على آله و صحبه
تابع القراءة Résumé abuiyad

طريق الولاية

0 التعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم
طريق الولاية
الولاية هي نصرة جنود النور على جنود الظلام فيك...و لكي تكون وليا عليك نصرة الحق على ظلمة النفس والشيطان...فالمعاصي كلها ظلمة في القلب...والطاعات كلها نور في القلب...لذلك ورد في احاديث كثيرة من عمل كذا أو ترك كذا نكت في قلبه نكتة سوداء... ومن عمل الخير نكت في قلبه نكتبة بيضاء
ولقد ورد عن سيدنا علي كرم الله وجهه قوله
  الإيمان يبدأ لمظة بيضاء في القلب ، كلما ازداد الإيمان ازدادت بياضا حتى يبيض القلب كله ، وإن النفاق يبدأ لمظة سوداء في القلب ، فكلما ازداد النفاق ازدادت حتى يسود
والمريد عندما يجد شيخ التربية فيقذف في قلبه النور المحمدي...عليه ان يتعاهده بالذكر حتى يملأ كيانه كله...فعلى الشيخ الإمداد وعلى المريد الإستعداد...وعلى الشيخ الإلقاء وعلى المريد التلقي...فالشيخ الحق لا يحرم أحدا أتاه و لو بالتجريب...فالشيخ يقوم بدوره وعلى المريد ان يقوم يدوره حتى لا يهب النور من قلبه ويخسر خسارة الأبد
فالشيخ يغرس في القلوب هذه الحبة الزيتونية النورية الموقدة من الشجرة المباركة و على المريد تربيتها بالطاعات حتى تكبر وتؤتي ثمارها في كل وقت وحين...أما إذا قارف معصية فسيرى أن النور قد نقص من قلبه...وهذا كله مشاهد ومجرب...حتى تعلم أن طريق الحق هي طريق النور
و النور إذا سكن القلب فإنه يثمر مقامات العبودية كلها...وبه تعرف أمراض نفسك فالرياء الذي هو أخْفى من دبيبِ النملةِ السوداءِ على الصخرةِ الصمَّاءِ في الليلةِ الظلماءِ لا يُعرف إلا بتسليط نور الإيمان في أرض القلوب حتى تبصره وتستأصله منها...وهكذا تفعل مع كل امراض القلوب...فالنور يفضح الأغيار و يحرق كل ظلمة وصل إليها...وهذا نوع جليل من الكشف الذي يثمره النور حتى تتعرف على عيوبك وتصلحها وتتوجه لحضرة الرب تعالى
فالكشف نوعان : كوني وشرعي....وكلاهما يحصل للعارفين غير أن حقيقة السير إلى الله عز وجل هي حصول الكشف الشرعي الذي هو ميراث النبوة
والذي من لم يصل إليه لا يعد عارفا بالله تعالى....إذ معرفة أهل الله مبنية على الذوق الصحيح الناشئ عن الإتباع الصحيح
والنور إذا سكن القلب فإنه يورث هذا الكشف الشرعي ولابد حيث يكشف للعبد عن أسرار الربوبية الله نور السموات والأرض
ويكشف لك عن جمال حبيبك صلى الله عليه وسلم  وسراجا منيرا
ويكشف لك عن ثمرة العبادات...الصلاة نور الصيام ضياء الصبر ضياء
ويكشف لك عن حقيقة الدين { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه }...فالإسلام هنا الدين و ليس المرتبة
ويكشف لك عن عالم الملكوت...فترى الأنبياء والمرسلين والأولياء والملائكة والجنة والنار...حتى يحصل لك اليقين الكامل وتعرف الحقائق على ماهي عليه لا كما تتوهمها بفكرك المقيد بالكون
ومن الأثار الدالة على هذا المورد ما ورد عن ثابت عن أنس أن معاذ دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ فقال له : كيف أصبحت يا معاذ ؟ قال : أصبحت بالله مؤمنا حقا قال إن لكل قول مصداقا ولكل حق حقيقة فما مصداق ما تقول ؟ قال : يا نبي الله ما أصبحت صباحا قط الا ظننت اني لا امسي وما أمسيت مساء قط الا ظننت أنى لا أصبح ولا خطوت خطوة إلا ظننت أنى لا أتبعها أخرى وكأنى أنظر إلى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله وكأنى أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة قال عرفت فالزم
وعن أنس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لشاب من الأنصار كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمنا بالله حقا قال انظر ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني بعرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعاوون فيها قال أبصرت فالزم عبد نور الله الإيمان )وفي رواية  أصبت فالزم مؤمن نور الله قلبه
فهذه بعض مشاهدات الصحابة رضوان الله عليهم وهناك الكثير منها...فهم لكمال تحققهم قدس الله أسرارهم إستخدموا كاف الإحسان ( كأنك تراه ) للتعبير عن مشاهداتهم...كأني كأني..و أصل هذه المشاهد ومنشؤها وجود النور في القلب كما قال عليه الصلاة والسلام :  أصبت فالزم مؤمن نور الله قلبه
وهذا النور هو نور المصطفى صلى الله عليه وسلم لا غير...علمه من علمه وجهله من جهله...يؤخذ بالسند المتصل لحضرته الشريفة عن ورثته من العارفين بالله تعالى...يقول سيدي محمد الحراق رضي الله عنه
ولكن إلى انواره الكل ينتهي *** ففيه حقائق الكرام ترقت
عليه صلاة الله ثم سلامه *** مع الأل والأصحاب في كل لحظة
ويقول أيضا
فمن حفه نور الرسول يخوض من *** بحار شهود الذات في كل لجة
وهذا أغلى وأسنى وأرقى ما يثمره النور في القلوب...أن يُرفع بينك وبين الحبيب الستور...وإلى هذا تتطاولت أعناق المحبين وبه تغنوا في قصائدهم وهو غاية السير إلى الله وأشرف مقاصده...إذ به تكون متحققا بالعبودية ومتأدبا مع الربوبية...والله أعلم
تابع القراءة Résumé abuiyad

وجوب بيعة الحاكم المسلم

0 التعليقات


 وجوب بيعة الحاكم المسلم
ان في عصرنا هذا كثيرا من الذين يجهلون قواعد الاسلام و ينكرون علي من اتبعها وإمتثل أومرها وإجتنب نواهيها ، وهم يعلمون أنه لا تبديل في احكام الدين و لا يمكن لاي مسلم ان ينتقد ما امر به الله و رسوله صلي الله عليه و سلم. و من القواعد التي ينتقدها المبتدعون على أهل السنة والجماعة أصحاب المذاهب الأربعة والأشاعرة والصوفية والتي ينكرونها على اهل طريقتنا الكركرية في طاعتهم للحاكم و حبّهم له، و نصرتهم له ، وسبب هذا الانكار منهم أنهم يجهلون روح الاسلام وحقيقة الأحكام التي دعت إلى وجوب مبايعة الحاكم والدخول تحت ولايته وتوقيره ، وإتباع إرشاد الله تعالى في أمره بطاعة الحاكم ، فإذا إختار هؤلاء العنف و الفساد و البغي بينما قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: الفتنة نائمة ، لعن الله من أيقظها فنحن، نختار النظام و الحفاظ علي دماء المسلمين، و إستقرار بلادهم علي ظهور الفساد فيها وسفك الدماء في الأرض. و في هذا، لا نتبع الاّ ما امر الله و رسوله صلي الله عليه و سلّم لذلك الطريقة الكركرية تبايع الملك محمد السادس حفظه الله و تتبرّأ من الذين يلقّون بألسنتهم و يقولون بأفواههم ما ليس لهم به علم. و من له إنتقاد علي الحاكم، فقد أشار النبي صلي الله عليه و سلّم النهج للإعتراض اليه ، وهذا النهج ليس بتسليح الناس للحرب و قتل المسلمين، او بسب و طعن، بل هو بالحوار و النصيحة للإصلاح. و في الحديث: أَفْضَل الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر حتي عند سلطان جائر، النبي صلي الله عليه و سلّم ينصح الحوار، و كيف مع سلطان مثل ملك المغرب الذي يعتكف علي خدمة وطنه؟ ويحافظ على دينه ودنياهم ويحرص على امنهم ومستقبلهم... بعد ذلك، يجب ان نتكلم عن خطر القذف و الإفتراء في الإسلام ، فقد نزل الدين للحفاظ علي عرض الإنسان ، فالإسلام لا يقبل نطق الشتائم علي أحد لاسيما إن كانت مفتريات. ورد في الحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر و قد شدد العلماء في دفاعهم عن اهل البيت والتحذير من سبهم لحفظ على عرض و شرف النبي عليه الصلاة و السلام. و لذا، قال الشيخ الدردير المالكي: ( و ) شدد عليه أيضا ( في ) نسبة شيء ( قبيح ) من قول أو فعل ( لأحد ذريته عليه السلام ) ( مع العلم به ) وذريته عليه السلام انحصرت في أولاد فاطمة الزهراء وأما آل البيت من غيرها مع العلم بهم فالظاهر أنه كذلك و لا يجهل أحد في العالم أن ملوك المغرب، العلوّيون، من ذرية النبي صلي الله عليه و سلّم من فرع سيّدنا الحسن رضي الله عنه فعلي الأقل، يجب علي المسلم رعايتهم، وحبهم و نصرهم حسابا لنسبهم الشريف.و بألإضافة الي هذا، قد أمرنا الله بطاعة الحكام ما داموا يكونو مسلمين. هذا واضح من السنة و لا نجد إختلافا في وجوب البيعة للوليّ و طاعته: * عن تميم بن أوس الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم و النصيحة هي الإخلاص و الصدق * وعن ابن عمر رضي الله عنهما: سَمِعْتُ رسول الله يقول :مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً * وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني * وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية” * وعن أبى بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من أهان السلطان أهانه الله” هذه الأحاديث كلها تدل علي وجوب البيعة لوليّ الأمر. حتي أخبرنا رسول الله عليه الصلاة و السلام ان من مات بلا بيعة كأنما مات كافرا. يهدد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كلّ المسلمين و يحذرهم من الخروج علي الحاكم. و الطريقة الكركرية قائمة علي السنّة. ويستحيل ان لا نتبع هذا الامر البيّن، كيف لا و قد اوصل الله طاعته علي طاعة الحاكم لمّا قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ و ذلك لان من يشتغل بأمور المؤمنين، له حظّ كبير عند الله، إذا عدل فيها. و قال النبي صلي الله عليه و سلّم: * وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حمكهم وأهليهم وما ولوا * أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط موفق، ورجل رحيم رفيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال و قد جازى الله من أطاع الحاكم بإلجنّة. قال النبي صلي الله عليه و سلّم : اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، و أطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم و قد شدّد النبي صلي الله عليه و سلّم في النهي عن الخروج علي الإمام و قتاله ما دام يكون مسلما. و لو كان السلطان ظالما، قد فضّل الله حفاظ دماء المسلمين و نهي عن البغي. و كيف مع سلطان يحافظ مصالح قومه؟ و قال الله تعالى : إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ و صرحت السنّة بهذه المسئلة فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: “على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة * وعن أبى هنيدة وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا امراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اسمعوا وأطيعو؛ فإنما عليهما حملوا، وعليكم ماحملتم * عن أبي الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرةٍ علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله تعالى فيه برهان ، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم" إذاً لم يرد قط حديثٌ عن رسول الله عليه الصلاة و السلام يستحّل الخروج علي الحاكم المسلم.بل هدّد من خلع عن بيعته، و لو مع سلطان جائر، بموتة الجهليّة، بموت الكافر. والخروج علي الإمام يصنف في باب البغي و لم يزالو العلماء يفتون بتحريمه، و قال وليّ مراكش القاضي عياض بن موسي : وقال جمهور أهل السنة من أهل الحديث والفقه والكلام : لا يخلع بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ، ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه ، وترك طاعته فيما لا تجب طاعته ، للأحاديث الواردة في ذلك من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أطعهم وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ما أقاموا الصلاة) ، وقوله : (صلِّ خلف كل بر وفاجر) ، وقوله : (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) ، وقوله : (وألا ننازع الأمر أهله) ، وأن حدوث الفسق لا يوجب خلعه . وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذه المسألة الإجماع و قال الإمام المناوي، شارحا للحديث" إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة و يحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها . قال ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم ؟ قال: ليس - يا ابن أم عبد -طاعة لمن عصى الله . قالها ثلاثا " : وفي رواية ابن مسعود يطفئون السنة ويعملون بالبدع وفي هذا الحديث وما قبله إيذان بأن الإمام لا ينعزل بالفسق ولا بالجور ولا يجوز الخروج عليه بذلك لكنه لا يطاع فيما أمر به من المعاصي. كل ذلك يدّل علي ان سبيل طريقتنا، البيعة للحاكم المسلم، هو السبيل الواحد المقبول في الإسلام وعليه عاش المغاربة منذ 12 قرنا ، و لا نخاف فيه لومة لائم. و بيقين ندعو الله لملك المغرب، لينصره الله، ويمكنن له في الارض ، و ليؤيده الحق في خدمة المسلمين. و ندعو الله له كما فعل الرسول لكل من اشتغل بأمور المسلمين، صلى الله عليه وسلم: عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتى هذا: “اللهم من ولى من أمر أمتى شيئاً فشق عليهم، فاشقق عليه ومن ولى من أمر أمتى شيئاً، فرفق بهم، فارفق به * وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خياركم أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم " فأللّهمّ، اجعلنا من عبادك الصالحين، المتّقين الذين لا يجدون في انفسهم حرجا مماّ قضيت. امتنا تحت بيعة ملكنا وولاة أمورنا واحفظه وا حفظ به البلاد والعباد وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن و لا تسّلط علينا بذنوبنا من لا يخافك و لا يرحمنا ، وامتنا متأدبين مع شيخنا و صلي الله و سلّم علي سيّدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق و علي آله و صحبه وسلم تسليما
الفقير محمد انجاي السنغال
تابع القراءة Résumé abuiyad

أهمية النور... في التعرف على النبي المنصور

0 التعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
 أهمية النور... في التعرف على النبي المنصور صلى الله عليه وسلم 
 أيها المحب ....إعلم أن الطريق إلى الله مسدودة إلا على من إقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحكمه على ظاهره وباطنه ، فإذا علمت هذا وتيقنت به وإستقر في قلبك ، فعليك أن تبذل جهدك في معرفة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، خاصة وقد تحققت أنه باب الوصول الذي من لم يدخله كان مفصول ، ولقد نبه الصديقون على هذا الأصل سلفا عن خلف ، حتى أن خاتمة المحقيقين سيدي وشيخي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه كثيرا ما يقول : " أدخل على الله من باب رسول الله صلى الله عليه وسلم....و إلا حجبت وطردت
 وصدقا أقول لك أيها المحب....نصيبك من حضرة الله على قدر معرفتك برسول الله عليه السلام ، لذلك وجب عليك معرفة نبيك معرفة كاملة على قدرك وليس على قدره ، إذ لا يعرف محمدا صلى الله عليه وسلم على التحقيق إلا رب محمد ، وغاية معرفتك به أن تصل لحد العجز عن معرفته ، وذلك عندما تشرق عليك  لطائف قوله تعالى :  ( وإعلموا أن فيكم رسول الله ) الحجرات الأية 7
وإعلم أيها المحب...أن النبي صلى الله عليه وسلم له توجهين : توجه نحو عالم الخلق بإعتبار صورته البشرية ، وتوجه نحو عالم الأمر بإعتبار حقيقته الروحية الكلية ، وأغلب الناس إلا من رحم ربي لا يعرف من رسول الله إلا صورته الظاهرية ، أما الذين يجمعون بين ظاهر الحبيب وباطنه ، فهم أهل الإرث النبوي ورثوا عنه أحكام الظاهر وأسرار الباطن معا .
أيها المحب....بعد هذه المقدمة  تكون قد تشوقت إلى المشي في طريق هذه المعرفة التي نرمي إليها ، ولعلك تتساءل : إني أقوم بكل الواجبات الدينية لكن لم أصل إلى هذه المعرفة ، فأين يكمن الخلل ؟
فلكي تصل إلى الجواب عليك أن تفهم أن كل عبادة تقربت بها إلى الله ولم تزدد بها معرفة وقربا فهي مدخولة ، فالله لا يقبل إلا طيبا ، لأن الشهوات الخفية للنفس  وسموم الشيطان الدقيقة ، كثيرا ما تخالط عبادتنا دون أن نلقي لها بالا ، لذلك أصبحت الكثير من العبادات صور لا روح فيها ، فالخلل فيك أيها العبد وليس في العبادات ، والسبب فقدان النور المحمدي في القلوب ، فبهذا النور تعرف خفايا نفسك ودسائسها ، وبنوره صلى الله عليه وسلم تعرفه وتصحبه

وهنا نجد عدة تساؤلات تحتاج ليجاب عنها : ما المقصود بالنور المحمدي ؟ و كيف السبيل للوصول إلى هذا النور ؟ وهل يمكنني أن أدركه بمجهودي الخاص ؟ و إذا وصلت إليه ، هل أكون قد تعرفت على النبي صلى الله عليه تلك المعرفة التي يعول عليها أهل الله ؟
فإعلم أن المقصود بالنور المحمدي فهو تلك الحقيقة النورانية لباطن المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وإن شئت أن تقول هو تلك القبضة المأخوذة من ذلك النور المنسوب إلى الحق والمشار إليه في قوله صلى الله عليه وسلم ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) رواه البيهقي ببعض المخالفة
 ولقد ورد في تنوير المقباس من تفسير ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (قد جاءكم من الله نور) رسول يعني : محمّداً صلى الله عليه وسلم
وذكر مثل ذلك الطبري والسيوطي
وقال العلامة الصاوي في حاشيته على الجلالين : هو نور النبي صلى الله عليه وسلم، وسُمّي نوراً لأنه ينوِّر البصائر ويهديها للرشاد، ولأنه أصل كل نور حسِي ومعنوي
ولقد اختلف المتأولون في عود الضمير في " نوره " على من يعود في أية النورفي سورة النور ; فقال كعب الأحبار وابن جبير : هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ; أي مثل نور محمد صلى الله عليه وسلم، قال ابن الأنباري : " الله نور السموات والأرض " وقف حسن ، ثم تبتدئ " مثل نوره كمشكاة فيها مصباح " على معنى نور محمد صلى الله عليه وسلم
ومن كتاب شرح الشمائل المحمدية للإمام الترمذي رضي الله عنه، بتحقيق وشرح الشيخ النينوي ج1 ص 44، وفي التعليق على الحديث وشرحه فوائد كثيرة ان شاء الله تعالى، ها هي
[ 15ـ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ابْنُ أَخِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليّهِ وسَلِّم أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ
-إسناده ضعيف، تفرد به المصنف دون الستة. في الاسناد عبد العزيز بن عمران المعروف بابن أبي ثابت وهو ضعيف. وباقي رجاله ثقات
-ضعف اسناد هذا الحديث لا ينفي أنه أفلج الثنيتين صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ينفي أنه نور وأن كلامه نور، ووجهه الشريف نور، وأنه نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. فقد روى مسلم من حديث جابر بن سمرة والبخاري من حديث البراء بنحوه أن رجلاً سأل عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مِثْلَ السَّيْفِ ؟ قَالَ لَا بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ. قال الحافظ في الفتح بعد هذا الحديث: " بل مثل القمر " أي في التدوير، ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال؟ فقال: بل فوق ذلك، وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان. وفي رواية مسلم قال: مثل الشمس والقمر. قال الحافظ في الفتح في شرح الحديث مقراً وشارحاً: ( ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق، والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما، أتى بقوله: " وكان مستديرا " إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معا: الحسن والاستدارة. ولأحمد وابن سعد وابن حبان عن أبي هريرة " ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في جبهته " قال الطيبي: شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم، وفيه عكس التشبيه للمبالغة، قال: ويحتمل أن يكون من باب تناهي التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس
وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق يونس بن أبي يعفور عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأة من همدان قال: " حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لها: شبهيه
قالت: كالقمر ليلة البدر، لم أر قبله ولا بعده مثله " وفي حديث الربيع بنت معوذ " لو رأيته لرأيت الشمس طالعة " أخرجه الطبراني والدارمي). اهـ
بل ثبت الخبر بإسناد صحيح عن أنس أن المدينة عندما دخلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أضاء فيها كل شيء، وحصر هذا بمعنى الهداية فقط لادليل عليه، فهو صلى الله عليه وآله وسلم هداية وزيادة. وقد جاء القرآن بإثبات هذا المعنى، فقد قال الله تعالى في سورة المائدة: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) وقال تعالى في سورة الأحزاب: ( ودعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً)، فهو صلى الله عليه وآله وسلم نور ومنير، ولا حرج في أن تقول إن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم نوراً منوَراً منوِراً، لأن الله عز وجل قد وصفه بذلك وسماه نورًا ، وسماه منيراً. ولقد ثبت في السنة أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون : إن وجهه صلى الله عليه وآله وسلم كالقمر، وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه أحمد وغيره أنه عندما حملت فيه أمه: (رأت نورًا أضاء لها قصور بصرى من أرض الشام )، قال الحافظ في الفتح مقراً وشارحاً: (ومما ظهر من علامات نبوته عند مولده وبعده ما أخرجه الطبراني عن عثمان بن أبي العاص الثقفي عن أمه أنها حضرت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم فلما ضربها المخاض قالت: فجعلت أنظر إلى النجوم تدلى حتى أقول لتقعن علي، فلما ولدت خرج منها نور أضاء له البيت والدار. وشاهده حديث العرباض بن سارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: إني دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام " أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم وفي حديث أبي أمامة عند أحمد نحوه).اهـ. والآثار في هذا كثيرة وهي تشير إشارة واضحة الى أنه نورانيته صلى الله عليه وآله وسلم وأنه هادياً بشيراً ونورًا منيراً، ولا ينبغي أن ننفي أن ذلك النور كان حسيًّا، كما لاينبغي تقييد معنى النص القرآني والحديثي الوارد بدون دليل، فليس هناك ما يتعارض مع كونه منيرًا، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم له نور حسي. نعم المحظور هو نفي البشرية عنه صلى الله عليه وآله وسلم، لمخالفة ذلك صريح القرآن. أما إثبات النورالحسي له صلى الله عليه وآله وسلم فهو ثابت بالنصوص ولا يتعارض عقلاً مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم بشرًا، فالقمر والشمس والنجوم والكواكب لها طبيعة صخرية، ومع ذلك تعكس النور، وفيها نور، ولها نور حسي بل يسطع نورها على غيره من الكواكب كالكرة الأرضية كلها فينير ليلها ويطمئن خائفها ويهدي سائرها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم خير من القمر والشمس والنجوم، بل هو صلى الله عليه وآله وسلم فخر الكائنات وسراج للشمس والقمر ولكل مافي الأرض والسموات. فالسلامة في ذلك أن تثبت ما أثبت الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وماأثبته هو لنفسه صلى الله عليه وآله وسلم، وماأثبته الصحابة له مما عاينوا من عظيم شأنه وجميل صفاته صلوات الله عليه وآله وسلم، دون نفي أو تعطيل أو تأويل بلا دليل. فنثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم بشر، وأنه نور ومنير، دون قطع بتأويل محدود أو تخصيص لمطلق بدون دليل، والله أعلم. بل قد أثبت الأنوار في قلبه وأعضائه ومن حوله باقواله الصحيحة صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن سلمة عن كريب عن ابن عباس: قَالَ: (وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ لَيْلَتَئِذٍ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً. قَالَ سَلَمَةُ: حَدَّثَنِيهَا كُرَيْبٌ. فَحَفِظْتُ مِنْهَا ثنْتَيْ عَشْرَةَ. وَنَسِيتُ مَا بَقِيَ. قَالَ رَسُولُ اللّهِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُوراً، وَفِي لِسَانِي نُوراً، وَفِي سمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَمِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُوراً، وَمِنْ خَلْفِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُوراً، وَأَعْظِمْ لِي نُوراً
وقد ثبت أصرح من ذلك كله، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه: واجعلني نوراً. فقد روى مسلم في صحيحه من حديث غندرعن شعبة عن سلمة عن كريب عن ابن عباس: قال: (بت في بيت خالتي ميمونة. فبقيت كيف يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فقام فبال. ثم غسل وجهه وكفيه. ثم نام. ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها. ثم صب في الجفنة أو القصعة. فأكبه بيده عليها. ثم توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين. ثم قام فصلى فجئت فقمت إلى جنبه. فقمت عن يساره. قال فأخذني فأقامني عن يمينه. فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة. ثم نام حتى نفخ. وكنا نعرفه إذا نام بنفخه. ثم خرج إلى الصلاة. فصلى. فجعل يقول في صلاته أو في سجوده اللهم! اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، وعن يميني نورا، وعن شمالي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، واجعل لي نورا، أو قال واجعلني نورا). وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن غندر عن شعبة عن سلمة عن بكير عن كريب عن ابن عباس قال: (كنت عند خالتي ميمونة. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر بمثل حديث غندر وقال: (واجعلني نورا) ولم يشك
قلت وليس بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلام. وتأمل في كلامه صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن سأل الله أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نوراً، فقال: (واجعل لي نوراً)، ثم ختم كل شيء بقوله: (واجعلني نوراً). ففرّق بين اجعل لي نوراً واجعلني نوراً حتى لا يلتبس الأمر ويختلط، لأن الزيادة تدل على زيادة في المعنى، وإلا لكانت عبثاً ولا معنى لها. والله أعلم. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: واجعلني نوراً هي أبلغ من الكل، كما ذكر الملا علي القاري في المرقاة
فإن قال قائل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (واجعلني نوراً) يفيد الدعاء وأن ذلك غير حاصل بعد. قلت: بل ذلك دعاء بلسان الحال والحقيقة بقصد الشكر والأدب مع المولى عز وجل، كقوله تعالى على لسان ابراهيم عليه السلام في سورة ابراهيم: (اجعلني مقيم الصلاة) وقوله تعالى في الشعراء: (واجعلني من ورثة جنة النعيم)، وكل ذلك متحقق في حق ابراهيم عليه السلام، ولاشك أن ابراهيم عليه السلام يعلم علماً يقينا أنه من مقيمي الصلاة وأنه من ورثة جنة النعيم، فهو نبي مرسل من أولي العزم، وقد أرسله الله الى خلقه ليدلهم عليه ويكون لهم قدوة وأسوة، إلا أنه أدب في حقه عليه السلام تجاه الباري عز وجل، و تعليم لأمته وغيرهم لمن لم تتحقق لهم هذه الأحوال والحقائق كما تحققت للأنبياء عليهم السلام، والأمثلة في هذا كثيرة
قال الحافظ في فتح الباري ج12397: (قال القرطبي: هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نوراً يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم). قلت: ولا يمنع أن يستضيء الناس بنوره صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا أيضاً، كما حدث في المدينة عندما دخلها فاستنار فيها كل شيء، وغير ذلك من آثار نوره وبركته صلوات الله وسلامه عليه وآله. وهذا كعب بن زهير يقول في قصيدته الشهيرة
إن الرًّسُولَ لسيـفٌ يُستضـاءُ بِـه  *** مُهنَّـدٌ مـن سيـوف الله مسلـولُ...إنتهى
أيها المحب...لعلك قد علمت معنى هذا النور المحمدي ، ولم يبقى في قلبك شك تجاهه مع وجود هذه الأدلة المباركة وهذه النقول الطيبة من العلماء سلفا وخلفا ، ولعلك قد عرفت الآن أهميته في معرفة نبيك عليه السلام ، وأنك بدون نوره صلى الله عليه وسلم لن تتمكن من معرفته ، خاصة وقد علمت أن هذا النور يرى  ويشاهد بالعين المجردة ، حسا لا معنى فعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : استعرت من حفصة بنت رواحة إبره كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت مني الإبرة فطلبتها فلم أقدر عليها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة من شعاع نور وجهه فضحكت فقال يا حميراء لم ضحكت قلت كان كيت وكيت فنادى بأعلى صوته يا عائشة الويل ثم الويل ثلاثا لمن حرم النظر إلى هذا الوجه ما من مؤمن ولا كافر إلا ويشتهي أن ينظر إلى وجهي ) اهـ ..أخرجه إبن عساكر والأصبهاني والسيوطي
فتأمل أيدك الله بروح قدسه...كيف تجلى لها نور الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى شاهدته حسا ووجدت به ضالتها ، ولعلك تعرف قصة الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه الذي اعطى له كفار قريش مبلغا من المال ، وذلك قبل إسلامه- ليهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوقف حسان على ربوة ينتظر مجيء الرسول عليه السلام لينظر الى صفة من صفاته فيهجوه بها، ومر الحبيب المصطفى، فلما رآه حسان رجع الى قريش فرد لهم المال وقال
هذا مالكم ليس لي فيه حاجة
وأما هذا الذي أردتم ان اهجوه
اللهم أني أشهدك أني اشهد انه رسول الله
فقالوا
ما دهاك؟ ما لهذا أرسلناك
فأجابهم بهذا الشعر
لما رأيت أنواره سطعت ....... وضعت من خيفتي كفي على بصري
خوفا على بصري من حسن صورته.... فلست انظره إلا على قدري
روح من النور في جسم من القمر... كحلية نسجت من الأنجم الزهر
 فهذه القصة نستفيد منها عدة فوائد ، نذكر منها
 * أن نوره صلى الله عليه وسلم يرى حسا ومعنا ، لذلك قال حسان رضي الله عنه لما رأيت أنواره سطعت
* أن هذا النور لا يراه إلا من أراد الله هدايته ، وانه يراه البعض ويستتر عن البعض بمقتضى الحكمة الإلهية ، فلما أراد الحق الخير لحسان كشف له عن حقيقة نبيه فإهتدى ، وحجب أبا لهب عنها فضل، لأنه كان واقفا مع بشريته صلى الله عليه وسلم..ومن هنا نعرف أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يشاهدون روحانية النبي عليه السلام إلى جانب ظاهره...لذلك ظهر منهم ذلك الثبات العديم النظير، ومعرفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم متفاوتة حسب درجة إيمانهم ، فالذي رآه عليه السلام شمسا ليس كالذي رآه قمرا ، والذي رآه قمرا ليس كالذي رآه نورا يلمع كما يلمع السيف وهكذا

فالمطلوب من كل مؤمن عاشق للحضرة النبوية قد حرم من صحبة الحبيب الجسدية الشريفة ان يراه بصفته النورانية الروحية...ولقد علمت أيها المحب انها ترى لأهل القلوب الصافية...وهنا نجيبك عن سؤالك كيف السبيل للوصول إلى هذا النور المقدس ؟
فإعلم نور الله قلبي وقلبك بنور قدسه...أن الجواب على هذا السؤال منطوي في هذه الحكمة العطائية التي
تقول : " إذا أراد الله أن ينصر عبده أمده بجنود الأنوار، وقطع عنه مدد الظلم والأغيار " ، ولقد شرحها شيخ مشايخنا سيدي عبد القادر مول الباشا فقال : يعني إذا أراد الله ينصر عبدا من عباده ويصطفيه  لحضرته أمده بصحبة أهل الأنوار ، يعني أهل الأسرار الذين كانت لهم الأنوار  وهم أهل المعرفة ، وقطع عنه صحبة الأرذال المملوكين للظلم والأغيار ،وإذا أراد أن يخذله إبتلاه بعكس هذا فكان من المخذولين، فمع من تكن بحاله تكن ، أنت مع من احببت كما في الحديث  إنتهى
فسبيل الوصول إلى هذا النور أيها المحب... هو صحبة أهل الأنوارالذين هم شموس الهداية ولقد نبهنا الحق على إتباعهم فقال عزوجل : ( وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أنابَ إليَّ ) لقمان الأية 15 فالإنابة هي الرجوع إلى الله وشيوخ التربية المحمدية بلغوا أشرف مراتب الإنابة وذلك بخروجهم من ظلمات النفس والحس أو ظلمات العدم ورجوعهم  إلى النور الأصلي ، ولقد فطن لهذا الأصل كبار علماء الأمة فكانوا يبحثون عن صحبة أهل النور حتى يأخذوا من عندهم هذا النور النبوي ، فتجد على سبيل المثال لا الحصر  سلطان العلماء العز بن عبد السلام رضي الله عنه مع جلالة قدره ومكانته العلمية  يصحب الإمام  أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه ، وهذا الإمام النووي كان  يقتدي في التصوف بالشيخ الكبير ياسين المراكشي رحمه الله تعالى ويتأدب معه ويرجو بركته ، والإمام السيوطي والسخاوي وقبلهم الإمامين الشافعي و أحمد أصحاب المذاهب المعروفة فلقد كانوا يتواردون من حين لأخر على شيبان الراعي ذلك العبد الصالح الذي نور الله قلبه...فأضات قلوب كل من صحبه...وغيرهم كثير، فهكذا كان شأن السلف الصالح يتفقه احدهم ثم يتصوف ، والتاريخ يشهد على ذلك وهذه كتب التراجم بين أيدينا تثبت هذه الحقيقة ، وقد أشار إلى هذا الإمام الشافعي رحمه الله فيما نسب إليه في ديوانه قوله
 فقيهاً وصوفياً فكن ليس واحداً  ***   فإني وحقُ الله إياك أنصح
فذلك قاسٍ لم يذق قلبه تقـى ً     ***   وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
والسبب في ذلك أنهم عرفوا أن سبيل الحصول على النور المحمدي لا يكون إلا بصحبة الأولياء أهل الأنوار والأسرار ، ومتابعتهم والإنقياد إليهم وإتباع منهجهم التربوي ، لان قلوبهم متصلة بقلب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فهم أهل السند المتصل فكل من صحبهم إتصل..فإفهم كلامي ففيه سر سعادتك

فإذا أيقنت هذا أيها المحب...عليك عندئذ أن تقتدي بهؤلاء الأئمة الذين منهم من بلغ درجة الإجتهاد المطلق ومنهم المجتهد المقيد ، ومع ذلك لم يقفوا مع علمهم ولا مع جاههم ولا مع حظوظ أنفسهم ، وما قيمة حظ النفس مع النور المحمدي...طبعا لا مجال للمقارنة ، فكن مثلهم وإبحث عن مرشد كامل فلقد أوضحت لك طريق الوصول إلى النور المحمدي ، أما أن تطمع أن تصل إليه بمجهودك الخاص فهيهات هيهات ، لأنه لو كان كذلك لما اضطر هؤلاء الأئمة مع علمهم وعملهم إلى إتخاذ مرشد حتى تستنير قلوبهم ، لذلك كان سيدي أحمد بن عجيبة رضي الله عنه وهو الفقيه المفسر والنحوي الشاعر يقول : لقد صمنا كثيرا وصلينا كثيرا وقمنا كثيرا...لكن لم نبلغ مبالغ الرجال إلا بصحبة الرجال ، كان يقول هذا بعد اخذه الطريقة الدرقاوية على يد سيدي أحمد البوزيدي رضي الله عنهما

وبعد فهمك لكل هذا أيها المحب...نجيبك عن قولك هل إذا وصلت إلى هذا النور الذي وصفت ، هل أكون حينئذ قد تعرفت على النبي صلى الله عليه تلك المعرفة التي يعول عليها أهل الله
فنقول لك نعم...فالناس ينقسمون في معرفة الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى قسمين: قسم عرف ظاهره الشريف وهم عوام المسلمين ،وقسم جمع بين معرفة ظاهره وباطنه المقدس وهم خواص المسلمين فهم يتبعون أقوال وأفعال وأحوال وأسرار النبي صلى الله عليه وسلم جميعا بعكس غيرهم الذين لا يعرفون سوى أقواله وأفعاله عليه السلام وفي كل خير
ولقد قال إبن عجيبة رضي الله عنه : كل من رآى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فهو من الخاصة ، وكل من رآه يقظة على كنه صورته البشرية فهو من خاصة الخاصة ، وكل من رآه عليه السلام يقظة بصفته الروحيه النورانية  فهو من خاصة خاصة الخاصة
فرغم أن الذي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم بصفته البشرية الجسدية فإنه لم يرى إلا روحه الشريفة متجسدة بصورته الظاهرية عليه السلام ، فرغم هذا الشرف لم يبلغ مبلغ الذي رآه عليه السلام بكنهه الروحي فهذا قد عرف المصطفى عليه السلام بصفته الحقيقية الإطلاقية ، وإلى هذه المشاهدة كان يشير سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه بقوله   والله لو إختفى عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين لما أعددت نفسي من المسلمين  
وقد حكي عن الشيخ أبي الحسن الورقاني قال : أخبرنا الشيخ أبو العباس الطنجي قال : وردت على سيدي أحمد الرفاعي فقال : ما أنا بشيخك ، شيخك عبد الرحيم بقنا روح إليه، فسافرت إلى قنا فدخلت على الشيخ عبد الرحيم فقال لي : أعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : لا ،فقال : روح إلى بيت المقدس حتى تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحت إلى بيت المقدس فحين وضعت رجلي بالبيت وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجعت إلى الشيخ ، فقال لي : أعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم قال لي : الآن كملت طريقتك ، لم تكن الأقطاب أقطابا والأوتاد أوتادا ، إلا بمعرفته صلى الله عليه وسلم
وهنا أيها المحب تحلو العبارة لأهل الإشارة...فتأمل كيف  أجاب شيخه عندما سأله أعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : لا...رغم انه مسلم ويعرف نبيه من حيث الظاهر، إلا أنه أجاب بالنفي لعلمه أن رسول الله صلى الله عليه لا تتم معرفته إلا بالتعرف على حقيقته النورانية التي أثبتها الله في كلامه المقدس ، وأثبتتها العديد من الأحاديث النبوية ، وأثببتها سيرة الصحابة في تفاوت معرفتهم ووصفهم لرسول الله صلى عليه وسلم ، و أحوال الصديقون من ورثته عليه السلام على مر العصور وإلى يومنا هذا..ولقد سبق أن سردنا كل هذا في السابق فراجعه بالتدبر
والحمد لله رب العالمين
تابع القراءة Résumé abuiyad

جميع الحقوق محفوظة لدى ناشريها ©2013

تم تطوير المدونة من طرف عبد الحق الوجدي